فصل: السنة الأولى من ولاية عبد الملك بن مروان بن موسى على مصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الأولى من ولاية عبد الملك بن مروان بن موسى على مصر

وهي سنة اثنتين وثلاثين ومائة‏.‏

فيها كانت وقائع كثيرة بالعراق وغيره قتل فيها خلائق‏.‏

ففي المحرم كانت الوقعة بين قحطبة وابن هبيرة حسبما تقدم ذكره في أول بيعة السفاح‏.‏

وفيها في ثالث شهر ربيع الأول بويع السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وفيها كانت قتلة مروان الحمار وقد تقدم ذكره أيضا‏.‏

وهو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس آخر خلفاء بني أمية وكنيته أبو عبد الملك القائم بحق الله وأمه أم ولد كردية‏.‏

كان يعرف بالحمار وبالجعدي وتسميته بالجعدي نسبة لمؤدبه جعد بن درهم وبالحمار يقال‏:‏ فلان أصبر من حمار في الحروب ولهذا لقب بالحمار فإنه كان لا يفتر عن محاربة الخوارج وقيل‏:‏ سمي بالحمار لأن العرب تسمي كل مائة سنة حمار فلما قارب ملك بني أمية مائة سنة لقبوا مروان هذا بالحمار وأخفوا ذلك من قوله تعالى في موت حمار العزير‏:‏ ‏"‏ وانظر إلى حمارك‏.‏

‏.‏

‏.‏

الآية ‏"‏‏.‏

وكان مولد مروان الحمار سنة اثنتين وسبعين بالجزيرة وأبوه متول عليها من قبل ابن عمه الخليفة عبد الملك بن مروان‏.‏

فنشأ مروان في دولة أقاربه وولي الولايات الجليلة وافتتح عدة فتوحات‏.‏

حتى وثب على الأمر بعد إبراهيم بن الوليد وبويع بالخلافة سنة سبع وعشرين ومائة فلم يتهن بالخلافة لكثرة الحروب‏.‏

وظهرت دعوة بني العباس وكان من أمرها ما كان وانقرضت بموته دولة بني أمية‏.‏

وفيها توفي خلائق يطول الشرح في ذكرهم ممن قتل في الحروب وأيضًا من أعوان بني أمية وغيرهم‏.‏

وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أخو الخليفة السفاح لأبيه وقد تقدم ذكر واقعته مع مروان الحمار في أمر الكتاب وأمه أم ولد بربرية اسمها أسلم وكان أبوه محمد أوصى إليه بالعهد فإنه كان بويع سرًا فأدركته المنية وكان شيعتهم يكاتبونه من خراسان حتى وقع له مع مروان ماحكيناه وحبسه إلى أن مات في هذه السنة وقيل في الماضية وبعد موته انضمت شيعته على عبد الله السفاح‏.‏

وفيها قتل سعيد بن عبد الملك بن مروان أبو محمد وكان يعرف بسعيد الخير قتل بسيف عبد الله بن علي العباسي عم السفاح وكان دينًا خيرًا ولى لأقاربه خلفاء بني أمية أعمالًا جليلة‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن مروان‏.‏

كان شجاعًا دينًا كريمًا وكان ولي العراق وحفر بالبصرة نهرًا يعرف بنهر ابن عمر‏.‏

وفيها توفي محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أبو عبد الملك الأنصاري ولي قضاء المدينة‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبد الملك أخو سعيد لأبويه تقدمت ترجمته في ولايته على مصر سنة خمس ومائة‏.‏

وفيها توفي يزيد بن عمر بن هبيرة بن معاوية الأمير أبو خالد وقيل أبو عمرو الفزاري ولي الأعمال الجليلة وغزا القسطنطينية مع مسلمة بن عبد الملك وجمع له بين العراقين سنة ثلاث ومائة وكان خطيبًا شاعرًا شجاعًا وكان السفاح أمنه فبعث إليه أبو مسلم الخراساني وحرضه على قتله فأمر بقتله فقتل هو وابنه داود وكاتبه عمر بن أيوب وعدة من مواليه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وإصبع واحد‏.‏

ولاية صالح بن علي العباسي الأولى على مصر هو صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي العباسي أول من ولي مصر من قبل خلفاء بني العباس‏.‏

مولده بالسواد وقيل بالشراة من أرض البلقاء سنة ست وتسعين من الهجرة‏.‏

ولى مصر من قبل ابن أخيه أمير المؤمنين عبد الله السفاح بعد قتل مروان الحمار في أول محرم سنة ثلاث وثلاثين ومائة وقد تقدم ذكر قتاله مع مروان في ترجمة عبد الملك بن مروان بن موسى أمير مصر‏.‏

ولما ولي صالح مصر ببيعة أهل مصر لأمير المؤمنين عبد الله السفاح ثم أخذ صالح في إصلاح أمر مصر وقبض على جمع كثير من المصريين الأمويين منهم عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير أمير مصر وأخوه معاوية وقتل كثيرًا من شيعة بني أمية وحمل طائفة منهم إلى العراق وقتلوا بقلنسوة من أرض فلسطين وأمر للناس بأعطيتهم للمقاتلة والعيال وقسم الصدقات على الأيتام والمساكين وأبناء السبيل وزاد في المسجد زيادة هائلة وجعل على شرطته ابن هانىء الكندي ثم ورد عليه بعد مدة طويلة كتاب السفاح بإمارته على فلسطين والاستخلاف على مصر فاستخلف على مصر أبا عون عبد الملك بن يزيد وخرج منها في شعبان سنة ثلاث وثلاثين ومائة وسار معه عبد الملك بن مروان بن موسى الذي كان أمير مصر مكرمًا وعدة من أهل مصر - تأتي بقية ترجمة صالح بن علي هذا في ولايته الثانية على مصر إن شاء الله تعالى - فكانت ولاية صالح على مصر في هذه المرة سبعة أشهر وأيامًا‏.‏

السنة التي حكم فيها صالح على مصر وهي سنة ثلاث وثلاثين ومائة‏.‏

فيها استعمل الخليفة السفاح على البصرة عمه سليمان بن علي واستعمل على مكة خاله زياد بن عبيد الله وعلى اليمن ابن خالة محمد بن زياد بن عبيد الله‏.‏

وفيها وجه السفاح على إفريقية محمد بن الأشعث‏.‏

وفيها خرج ببخارا شريك بن شيخ المهري وكان قد نقم على أبي مسلم الخراساني تجبره فجهز إليه أبو مسلم جيشًا فحاربوه وقتلوه‏.‏

وفيها خرج طاغية الروم قسطنطين بجيوشه وأخذ ملطية وهدم السور والجامع وفيها قتل عبد الله بن علي عم السفاح الخليفة خلقا كثيرا من قواد بني أمية‏.‏

وفيها توفي داود بن علي بن عبد الله بن العباس عم الخليفة السفاح‏.‏

وكان ولي المدينة ومكة وحج بالناس في سنة اثنتين وثلاثين ومائة وهو أول أمير حج بالناس من بني العباس وقتل داود هذا أيضًا في ولايته خلقًا من بني أمية وأعوانهم‏.‏

ثم مات بعد أشهر واستخلف حين احتضر على عمله ولمده موسى فاستعمل السفاح على مكة خاله زيادًا المقدم ذكره وموسى بن داود على إمرة المدينة لا غير‏.‏

وفيها قتل عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة‏.‏

وفيها قتل عبد الله بن علي عم السفاح ثعلبة وعبد الجبار ابني أبي سلمة بن عبد الرحمن‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وثمانية أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا وتسعة أصابع‏.‏

ولاية أبي عون الأولى هو أبو عون واسمه عبد الله وقيل عبد الملك بن يزيد الأمير أبو عون أصله من أهل جرجان‏.‏

ولي صلاة مصر وخراجها باستخلاف صالح بن علي بن عبد الله بن العباس له في مستهل شعبان سنة ثلاث وثلاثين ومائة‏.‏

واستمر أبو عون بمصر إلى أن وقع الوباء بها فخرج منها إلى يشكر واستخلف على مصر صاحب شرطته عكرمة بن عبد الله بن عمرو بن قحزم وقحزم بفتح القاف وسكون الحاء المهملة وفتح الزاي وبعدها ميم‏.‏

ثم عاد أبو عون إلى مصر بعد الوباء وأقام بها إلى أن خرج منها ثانيًا إلى دمياط في سنة خمس وثلاثين ومائة واستخلف على مصر عكرمة أيضًا وجعل على الخراج عطاء بن شرحبيل‏.‏

وفي هذه السنة خرج القبط عليه بسمنود بالوجه البحري من أعمال مصر فبعث إليهم أبو عون جيشًا فحاربوهم وقتلوهم‏.‏

وفي أيام أبي عون هذا سكنت أمراء مصر العسكر‏.‏

وسببه أنه لما قدم صالح بن علي العباسي وأبو عون هذا بجموعهم إلى مصر في طلب مروان الحمار نزلت عساكرهما الصحراء جنب جبل يشكر الذي هو الآن جامع أحمد بن طولون وكان فضاءً‏.‏

فلما رأى أبو عون ذلك أمر أصحابه بالبناء فيه فبنوا وبنى هو به أيضًا دار الإمارة ومسجد عوف بجامع العسكر‏.‏

وعملت الشرطة أيضًا في العسكر وقيل لها الشرطة العليا وإلى جانبها بنى الأمير أحمد بن طولون جامعه الموجود الآن‏.‏

وسمي من يومئذ ذلك الفضاء العسكر وصار منزلًا لأمراء مصر من بعد أبي عون وصار العسكر مدينة ذات أسواق ودور عظيمة وفيه أيضًا بنى الأمير أحمد بن طولون بيمارستانه وكان البيمارستان المذكور بالقرب من بركة قارون التي صارت الآن كيمانًا وبعضها بركة على يسار من مشى من حدرة ابن قميحة يريد قنطرة السد وعلى هذه البركة بنى كافور الإخشيدي دارًا صرف عليها مائة ألف دينار وسكنها‏.‏

وزادت العمائر في العسكر إلى أن ولي أحمد بن طولون وقدم إلى مصر من العراق فنزل على عادة الأمراء بدار الإمارة بالعسكر‏.‏

فما زال بها أحمد بن طولون إلى أن بنى القصر والميدان بالقطائع وتحول إليها ودام بها إلى أن مات وولي ابنه خمارويه بن أحمد بن طولون وجعل دار الإمارة بالعسكر ديوان الخراج يأتي ذكر ذلك في ترجمتهما إن شاء الله تعالى‏.‏

فلما زالت دولة بني طولون وولي محمد بن سليمان الكاتب الأتي ذكره سكن بدار في العسكر عند المصلى القديمة حيث الكوم المطل الآن على قبر القاضي بكار بن قتيبة‏.‏

وما زالت الأمراء بعد ذلك تنزل بالعسكر إلى أن قدم القائد جوهر المعزي من المغرب إلى مصر وبنى القاهرة المعزية في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة‏.‏

انتهى أمر العسكر وسبب بنيانه باختصار وهذا التعريف بالعسكر مقدمة لما يأتي بعد ذلك من سكن أمراء مصربه‏.‏

وبينما هو كذلك في أموره ورد عليه كتاب الخليفة أبي العباس عبد الله السفاح بعزله وولاية صالح بن علي العباسي ثانيًا على مصر على الصلاة والخراج ومع ذلك ولاية فلسطين أيضًا والغرب ثم وردت الجيوش من قبل السفاح مع صالح بن علي لغزو المغرب وكانت ولاية أبي عون على مصر في هذه المرة الأولى ثلاث سنين إلا أربعة أشهر‏.‏

ويأتي بقية ترجمة أبي عون هذا في ولايته الثانية على مصر إن شاء الله تعالى‏.‏

السنة الأولى من ولاية أبي عون على مصر وهي سنة أربع وثلاثين ومائة‏.‏

على أنه حكم مصر أشهرًا من سنة ثلاث وثلاثين ومائة التي ذكرناها في حوادث صالح بن علي‏.‏

فيها أعني سنة أربع وثلاثين ومائة تحول الخليفة السفاح من الحيرة ونزل الأنبار وسكنها‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة عيسى بن موسى العباسي‏.‏

وفيها كانت حروب كثيرة من جهة ملك الصين وغيره كما هي عوائد أوائل الدول والسفاح مشغول في تمهيد الممالك في هذه السنة والخالية‏.‏

وأما عمال السفاح في هذه السنة‏:‏ على الشأم عبد الله بن علي عم السفاح وعلى مصر أبو عون صاحب الترجمة وعلى الجزيرة وأذربيجان أخو الخليفة السفاح وعلى ديوان الأموال خالد بن برمك وعلى هراسان أبو مسلم الخراساني وعلى البصرة سليمان بن علي عم السفاح‏.‏

وفيها توفي يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي كان من الزهاد الخائفين البكائين أثنى عليه الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه‏.‏

وفيها توفي يونس بن عبيد أبو عبد الله مولى عبد القيس من الطبقة الرابعة من تابعي أهل البصرة كان يحدث ثم يقول‏:‏ أستغفر الله ثلاثًا‏.‏

وفيها كان الطاعون بالري وأعمالها ومات فيه خلق كثير‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وستة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وعشرة أصابع‏.‏

السنة الثانية من ولاية أبي عون على مصر وهي سنة خمس وثلاثين ومائة‏.‏

فيها خلع زياد بن صالح طاعة الخليفة السفاح بما وراء النهر فتهيأ لحربه أبو مسلم الخراساني وبعث نصر بن راشد إلى ترمذ ليحصنها فقاتلته طائفة من الخوارج‏.‏

وسار أبو مسلم وحارب وفيها أيضًا كانت حركة ملك الصين وكان زياد بن صالح المذكور متولي سمرقند فتهيأ لقتاله وكتب إلى أبي مسلم الخراساني بذلك ووقع لهم معه أمور وحروب إلى أن انهزم ملك الصين كل ذلك قبل خروج زياد بن صالح عن الطاعة‏.‏

وفيها توفيت رابعة العدوية البصرية الزاهدة العابدة وكانت مولاة لآل عتيك وكان سفيان الثوري وأقرانه يتأدبون معها وكانت رابعة تصلي الليل كله فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعةً خفيفة حتى يسفر الفجر ثم تثب إلى الصلاة وتقول‏:‏ يا نفس كم تنامين وإلى كم لا تقومين يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا بصرخة‏.‏

وفيها قتل سليمان بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي وكان سليمان مباينًا لمروان الحمار والتجأ لبنى العباس فأمنه السفاح وصار يجالسه‏.‏

فأرسل إليه أبو مسلم الخراساني يقول‏:‏ قد بقي من الشجرة الملعونة فرع في كلام طويل فلم يلتفت السفاح إلى كلامه فدس أبو مسلم إلى سديف الشاعر مالًا وقال له‏:‏ قل في هذا المعنى شعرًا فأنشد سديف المذكور السفاح وأشار إلى سليمان‏:‏ الخفيف لا يغرنك ما ترى من رجالٍ إن تحت الضلوع داءً دويا # فضع السيف وارفع السوط حتى لا ترى فوق ظهرها أمويا وفيها توفي عطاء الخراساني البجلي أبو عثمان بن أبي مسلم ميسرة مولى المهلب بن أبي صفرة من الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام‏.‏

كان عالمًا زاهدًا فقيه أهل خراسان‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع واثنا عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وثلاثة أصابع‏.‏

ولاية صالح بن علي العباسي ثانيًا على مصر وليها ثانيًا من قبل السفاح فقدم مصر بجيوش كثيرة من فلسطين لغزو بلاد المغرب وكان قدومه إلى مصر في يوم خامس شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين ومائة‏.‏

ولما دخل مصر أقر عكرمة على شرطته بالفسطاط وجعل على شرطته بالعسكر يزيد بن هانىء الكندي وولى أبا عون المعزول عن إمرة مصر جيوش المغرب وقدمه صالح المذكور أمامه إلى نحو إفريقية وكان خروج أبي عون بجيوشه إلى نحو المغرب في جمادى الآخرة من سنة ست وثلاثين وجهزت المراكب من إسكندرية إلى برقة‏.‏

وبينما هم في ذلك قدم الخبر بموت أمير المؤمنين عبد الله السفاح في ذي الحجة واستخلاف أبي جعفر المنصور‏.‏

فأقر أبو جعفر المنصور عمه صالح بن علي هذا على عمل مصر على عادته وكتب إلى أبي عون بالرجوع عن غزو إفريقية‏.‏

فأرسل صالح إلى أبي عون بالخبر فأقام أبو عون ببرقة أحد عشر شهرًا ثم عاد إلى مصر بجيشه فجهزه صالح هذا إلى فلسطين لحرب الخوارج بها‏.‏

فسار أبو عون وحاربهم وهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمةً وسير إلى مصر منهم ثلاثة آلاف رأس‏.‏

ثم خرج صالح بن علي بعد ذلك من مصر إلى فلسطين واستخلف ابنه الفضل على صلاة مصر‏.‏

فسافر حتى بلغ بلبيس ثم رجع إلى مصر وأقام بها إلى أن خرج منها ثانيًا لأربع خلون من شهر رمضان سنة سبع وثلاثين ومائة فلقي أبا عون بالفرما فأمره على صلاة مصر وخراجها معًا ومضى إلى فلسطين‏.‏

ودخل أبو عون الفسطاط لأربع بقين من شهر رمضان من سنة سبع وثلاثين ومائة وسكن العسكر ودام على إمرة مصر‏.‏

واستمر صالح بن علي بفلسطين إلى أن أمره المنصور بالتوجه لغزو الروم في سنة ثمان وثلاثين ومائة‏.‏

فخرج صالح حتى نزل مرج دابق وأقبلت جيوش الروم مع ملكهم قسطنطين في مائة ألف فلقيه صالح هذا بالمسلمين ونصره الله تعالى على الروم فقتل منهم وسبى وغنم‏.‏

ثم حج بالناس في سنة إحدى وأربعين ومائة ثم غزا الروم والصائفة غير مرة وهو الذي بنى حصن دابق ومات وهو عامل حمص بقنسرين وقيل مات بعين أباغ وقد بلغ ثمانيًا وخمسين سنة واستخلف ابنه الفضل على حمص فأقره الخليفة أبو جعفر المنصور على ذلك وكان صالح صالحًا فاضلًا وله رواية أسند عن أبيه وروى عنه ابناه إسماعيل وعبد الملك وهو عم السفاح والمنصور‏.‏

السنة الأولى من ولاية صالح بن علي العباسي الثانية على مصر وهي سنة ست وثلاثين ومائة‏.‏

على أن أبا عون حكم منها أشهرًا على مصر‏.‏

فيها بايع أهل دمشق هاشم بن يزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان لما بلغهم موت السفاح - وحكى الذهبي ذلك في سنة سبع وثلاثين ومائة - فتوجه صالح بن علي من فلسطين بالجيوش إلى الشام‏.‏

فلما أظلهم صالح بالجيوش وهربوا ملك صالح الشام بعد أمور صدرت‏.‏

وفيها دعا عبد الله بن علي العباسي عم السفاح لنفسه وقال‏:‏ إن السفاح قال‏:‏ من انتدب لمروان الحمار فهو ولي عهدي من بعدي وعلى هذا خرجت فلما بلغ الخليفة أبا جعفر المنصور ذلك قال لأبي مسلم الخراساني فإنما هو أنا وأنت‏.‏

فسار أبو مسلم نحو عبد الله بن علي المذكور فوقع له معه وقعة هائلة كاد أن ينهزم فيها أبو مسلم ثم كان النصر له وانهزم عبد الله بن علي فلما بلغ المنصور ذلك بعث لأبي مسلم الخراساني بولاية مصر والشأم معًا فأظهر أبو مسلم الغضب وقال‏:‏ يوليني مصر والشام وأنا لي خراسان‏!‏ وعزم على الشر وقيل‏:‏ بل شتم المنصور لما جاءه من عنده من يحصي الغنائم وأجمع على الخلاف ثم طلب خرا سان‏.‏

وخرج المنصور إلى المدائن وكتب إلى أبي مسلم ليقدم عليه في طريقه فرد عليه الجواب‏:‏ إنه لم يبق لأمير المؤمنين عدو إلا أمكنه الله منه وقد كنا نروي عن ملوك آل ساسان أنه أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء فنحن نافرون من قربك حريصون على الوفاء بعهدك ما وفيت‏.‏

فإن أرضاك ذلك فإنا أحسن عبيدك وإن أبيت نقضت ما أبرمت من عهدك‏.‏

فرد عليه المنصور الجواب يطمنه مع جرير بن يزيد البجلي وكان واحد وقته فخدعه‏.‏

وأما عبد الله بن علي وأخوه عبد الصمد فقصد عبد الصمد الكوفة فاستأمن له عيسى بن موسى فأمنه المنصور وتوجه عبد الله بن علي إلى أخيه سليمان بن علي متولي البصرة فاختفى عنده والصحيح أن هذه الفتنة كان ابتداؤها في أواخر هذه السنة غير أن الوقعة والهرب كانا في سنة سبع وثلاثين ومائة‏.‏

وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين أبو العباس عبد الله السفاح بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي أول خلفاء بني العباس‏.‏

مات في ذي الحجة وله ثلاث وثلاثون سنة وكانت خلافته أربع سنين فإنه ولي في سنة اثنتين وثلاثين ومائة قبل قتل مروان الحمار وبه كان انقراض دولة بني أمية وكان أبوه محمد بن علي بويع بالخلافة قبل موته بسنتين فلم يتم أمره وعهد عند موته لابنه السفاح هذا قبل أبي جعفر المنصور وكان أسن من السفاح‏.‏

ولما مات السفاح هذا ولي أخوه أبو جعفر المنصور الخلافة من بعده‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وثمانية أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا وثمانية أصابع‏.‏

السنة الثانية من ولاية صالح بن علي العباسي على مصر وهي سنة سبع وثلاثين ومائة‏.‏

فيها قدم الخليفة أبو جعفر المنصور الكوفة وتأخر بعده أبو مسلم الخراساني بأيام وكانا تلك السنة معًا في الحج فأتاهما الخبر بموت السفاح وبخلافة المنصور‏.‏

وقد ذكرنا خروج عبد الله بن علي العباسي على أبي جعفر المنصور في العام الماضي وهووهم وإن كان خروجه كان في آخر السنة الماضية فما واقعه أبو مسلم إلا في هذه السنة‏.‏

وكان أمير المدينة في هذه السنة زياد بن علي وأمير مكة العباس بن عبد الله ومات في آخر السنة فأضاف أبو جعفر المنصور مكة إلى زياد‏.‏

وكان على الكوفة عيسى بن موسى العباسي وعلى البصرة سليمان بن علي عم المنصور وعلى خراسان أبو داود خالد بن إبراهيم وعلى مصر صالح صاحب الترجمة وعلى الجزيرة حميد بن قحطبة‏.‏

وفيها قتل الخليفة أبو جعفر المنصور أبا مسلم الخراساني وولى أبا داود خالد بن إبراهيم خراسان عوضه واسم أبي مسلم عبد الرحمن وهو صاحب دعوة بني العباس وأحد من قام بأمرهم حتى تم له ذلك ووطأ لهم البلاد وقتل العباد وقصة قتلته تطول‏.‏

وكان أبو مسلم شابًا جبارًا مقدامًا شجاعًا عارفًا صاحب رأي وتدبير ودهاء ومكر وعقل وحذق قيل إنه كان يجامع في السنة مرة واحدة مع كثرة جواريه فقيل له في ذلك فقال‏:‏ يكفي الشخص أن يتجنن في السنة مرة‏.‏

ويحكى أن أبا جعفر المنصور لما قتله أدرجه في بساط وطلب جعفر بن حنظلة فقال أبو جعفر المنصور‏:‏ ما تقول في أمر أبي مسلم فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن كنت أخذت من رأسه شعرة فاقتل ثم اقتل فقال المنصور‏:‏ وفقك الله ها هو في البساط فلما نظر إليه قتيلًا قال‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا أول خلافتك فأنشد المنصور‏:‏ الطويل فألقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عينًا بالإياب المسافر زعمت أن الدين لا يقتضى فاستوف بالكيل أبا مجرم اشرب بكأس كنت تسقي بها أمر في الحلق من العلقم واختلف في اسم أبي مسلم واسم أبيه فقيل‏:‏ اسمه عبد الرحمن بن مسلم بن سكيرون بن إسفنديار وقيل‏:‏ عبد الرحمن بن عثمان بن يسار وقيل‏:‏ عبد الرحمن بن محمد وسماه أبو بكر الخطيب إبراهيم بن عثمان بن يسار بن سدوس بن جودر من ولد يزدجرد وقيل‏:‏ إنما سماه عبد الرحمن الإمام إبراهيم بن محمد بن علي العباسي وكناه‏:‏ أبا مسلم وكانت كنيته‏:‏ أبا إسحاق وكان مولده سنة مائة بأصبهان‏.‏

وفيها توفي صفوان بن صالح بن صفوان أبو عبد الملك الدمشقي الثقفى‏.‏

ولد سنة ست وسبعين وكان فقيهًا زاهدًا عابدًا وكان يؤذن بجامع دمشق‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وستة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا وستة أصابع‏.‏

ولاية أبي عون الثانية على مصر كانت ولايته هذه الثانية على مصر من قبل صالح بن علي العباسي لما توجه إلى فلسطين كما تقدم ذكره ثم أقره الخليفة أبو جعفر المنصور على إمرة مصر على صلاتها وخراجها معًا وكان يوم دخول أبي عون المذكور إلى مصر يوم سادس عشرين شهر رمضان من سنة سبع وثلاثين ومائة‏.‏

وجعل على شرطته عكرمة بن عبد الله وعلى الدواوين عطاء بن شرحبيل‏.‏

ودام أبو عون على صلاة مصر وخراجها معًا إلى أن قدم الخليفة أبو جعفر المنصور إلى بيت المقدس فكتب بطلب أبي عون المذكور إلى عنده ببيت المقدس وأمره بأن يستخلف على مصر‏.‏

فاستخلف أبو عون المذكور عكرمة على الصلاة وعطاء بن شرحبيل على الخراج وخرج من مصر في النصف من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائة‏.‏

فلما وصل أبو عون إلى المنصور ببيت المقدس عزله عن إمرة مصر وولى عليها موسى بن كعب فكانت ولايته هذه الثانية على مصر ثلاث سنين وستة أشهر‏.‏

ودام أبو عون في صحبة الخليفة أبى جعفر المنصور وحضر وقعة الراوندية مع المنصور‏.‏

والراوندية‏:‏ قوم من أهل خراسان على رأي أبي مسلم صاحب الدعوة يأتي ذكرهم في الحوادث في سنة الواقعة مع المنصور‏.‏

الثانية على مصر وهي سنة ثمان وثلاثين ومائة‏.‏

فيها بعث أبو جعفر المنصور لقتال ملبد الشيباني خازم بن خزيمة فسار خازم في ثمانية آلاف فارس وكان ملبد هذا قد خرج على المنصور من أول خلافته فالتقوا فقتل ملبد بعد حروب كثيرة‏.‏

وفيها غزا صالح بن علي الروم على دابق وقد تقدم ذكر ذلك في ترجمته وأخذ ملطية وكانت الروم أخذوها من مدة سنين‏.‏

وفيها حج بالناس الفضل بن صالح بن علي العباسي من الشام من عند أبيه‏.‏

وفيها توفي زيد بن واقد الدمشقي‏.‏

وفيها ظهر عبد الله بن علي العباسي وبعث بالبيعة مع أخيه سليمان متولي البصرة إلى أبي جعفر المنصور فأمنه أبو جعفر المذكور وعفا عنه‏.‏

وفيها دخل عبد الرحمن بن معاوية الأموي إلى الأندلس واستولى عليها وامتدت أيامه وبقيت الأندلس في يد أولاده إلى بعد الأربعمائة‏.‏

وكان هرب من بني العباس إلى المغرب ودخل الأندلس فسمي بعبد الرحمن الداخل‏.‏

يأتي ذكره وذكر أولاده من بعده في عدة أماكن من هذا الكتاب إن شاء اله تعالى‏.‏

وذكر الذهبي وفاة جماعة كثيرة في هذه السنة قال‏:‏ وتوفي زيد بن واقد القرشي بدمشق وسهيل بن أبي صالح في قولٍ وسليمان بن فيروز أبو إسحاق الشيباني في قول والعلاء بن عبد الرحمن المدني وعبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله المخزومي في قول وعلقمة بن أبي علقمة في قول وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب في قول وليث بن أبي سليم في قول والمسور بن رفاعة القرظي المدني‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وسبعة أصابع‏.‏

السنة الثانية من ولاية أبي عون الثانية على مصر وهي سنة تسع وثلاثين ومائة‏.‏

فيها خرج جعفر بن حنظلة البهراني فأتى ملطية وهي خراب فعسكر بها‏.‏

وأقبل الأمير عبد الواحد فنزل على ملطية فزرع أرضها وطبخ كلسًا لبناء سورها ثم خرج عنها لأمرٍ اقتضى ذلك فأرسل طائفة الروم من أحرق الزرع‏.‏

وفيها خرج الأمير صالح بن علي المقدم ذكره والعباس بن محمد فأوغلا في بلاد الروم وغزتا معهما أم عيسى ولبابة أختا الأمير صالح بن علي المذكور وعمتا المنصور الخليفة وكانتا نذرتا إن زال ملك بني أمية أن تجاهدا في سبيل الله وبعد هذا العام لم يكن غزو إلى سنة ست وأربعين ومائة لاشتغال الخليفة المنصور بخروج ابني عبد الله بن الحسن عليه‏.‏

وفيها عزل المنصور عمه سليمان بن علي عن البصرة وولى عليها سفيان بن سعيد‏.‏

وفيها اختفى عبد الله بن علي وابنه خوفًا على أنفسهما وعبد الله هذا هو الذي كان خرج على المنصور وأختفي عند أخيه سليمان الذي عزل عن البصرة في هذا العام ثم ظفر به المنصور وسجنه‏.‏

وفيها حج بالناس العباس ابن أخي المنصور‏.‏

وفيها في قول صاحب المرآة‏:‏ وصل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان إلي جزيرة الأندلس وملكها ويسمى عبد الرحمن الداخل وكنيته أبو المطرف وأمه أم ولدٍ وبويع بالأندلس في هذه السنة وهو أول الخلفاء من بني أمية وأقام عليها ثلاثًا وثلاثين سنة وقد تقدم ذكر عبد الرحمن هذا في الماضية في قول الذهبي‏.‏

وفيها وسع الخليفة أبو جعفر المنصور المسجد الحرام مما يلي دار الندوة‏.‏

وفيها توفي عثمان بن عبد الأعلى بن سراقة الأزدي قاضي دمشق في أيام الوليد بن يزيد‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع وأحد عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏